أربعة أشياء تُمرض الجسم => الطب النبوي لابن القيم ۞ الحِمْيَة المفرطة فى الصحة كالتخليط فى المرض => الطب النبوي لابن القيم ۞ بعض المحاذر والوصايا الطبية => الطب النبوي لابن القيم ۞ أسرار وحقائق لا يعرف مقدارها إلا مَن حَسُن فهمه => الطب النبوي لابن القيم ۞ فوائد نبات الصبار => معلومة في صورة ۞ فوائد البيض => معلومة في صورة ۞ محاذير ووصايا لابن القيم => معلومة في صورة ۞ فوائد نبات الأترج => معلومة في صورة ۞ فوائد النبق => معلومة في صورة ۞ فوائد نبات الكتم => معلومة في صورة ۞

البحث
البحث في
تطبيق الرقية الشرعية لأجهزة الآيفون والأندرويد

http://up.hawahome.com/uploads/13387062071.gif
تسجيل الدخول
اسم المستخدم
كـــلمــة الــمــرور
تذكرني
تسجيل
نسيت كلمة المرور ؟
احصائيات الزوار
الاحصائيات
لهذا اليوم : 2249
بالامس : 1619
لهذا الأسبوع : 15323
لهذا الشهر : 54167
لهذه السنة : 168332
منذ البدء : 20052532
تاريخ بدء الإحصائيات : 12-10-2011
مطبخ حواء

فصل فى تدبيره صلى الله عليه وسلم لأمر النوم واليقظة

المادة
  طباعة اضافة للمفضلة
فصل فى تدبيره صلى الله عليه وسلم لأمر النوم واليقظة
2997 زائر
09-12-2014

فصل في تدبيره صلى الله عليه وسلم لأمر النوم واليقظة



مَن تدبَّر نومه ويقظَته صلى الله عليه وسلم وجدَه أعدلَ نوم ، وأنفعَه للبدن والأعضاء والقُوى ، فإنه كان ينام أوَّلَ الليل ، ويستيقظ فى أول النصف الثانى ، فيقومُ ويَستاك ، ويتوضأ ويُصَلِّى ما كتبَ اللهُ له ، فيأخذُ البدن والأعضاء والقُوَى حظَّها من النوم والراحة ، وحظَّها من الرياضة مع وُفورِ الأجر ، وهذا غايةُ صلاح القلب والبدن ، والدنيا والآخرة . ولم يكن يأخذ من النوم فوقَ القدر المحتاج إليه ، ولا يمنع نفسه من القدر المحتاج إليه منه ، وكان يفعلُه على أكمل الوجوه ، فينامُ إذا دعتْه الحاجةُ إلى النوم على شِقِّه الأيمن ، ذاكراً الله حتى تغلبه عيناه ، غيرَ ممتلئ البدنِ من الطعام والشراب ، ولا مباشرٍ بجنبه الأرضَ ، ولا متخذٍ للفُرش المرتفعة ، بل له ضِجَاع من أُدم حشوهُ ليف ، وكان يَضطجع على الوِسادة ، ويضع يده تحت خدِّه أحياناً . ونحن نذكر فصلاً فى النوم ، والنافع منه والضار


فنقول : النوم حالة للبدن يَتبعُها غوْر الحرارةِ الغريزية والقُوى إلى باطن البدن لطلب الراحة ، وهو نوعان : طبيعى ، وغيرُ طبيعى


فالطبيعى : إمساك القُوى النفسانية عن أفعالها ، وهى قُوَى الحِسِّ والحركة الإرادية ، ومتى أمسكتْ هذه القُوَى عن تحريك البدن اسْتَرخى ، واجتمعتْ الرطوباتُ والأبخرةُ التى كانت تتحلَّل وتتفرَّق بالحركات واليقظة فى الدماغ الذى هو مبدأ هذه القُوَى ، فيتخدَّرُ ويَسترخِى ، وذلك النومُ الطبيعى .


وأمَّا النومُ غيرُ الطبيعى ، فيكونُ لعَرض أو مرض ، وذلك بأن تستولىَ الرطوباتُ على الدماغ استيلاءً لا تقدِرُ اليقظةُ على تفريقها ، أو تصعد أبخرةٌ رَطبة كثيرة كما يكون عقيبَ الامتلاء مِن الطعام والشراب ، فتُثقِلُ الدماغ وتُرخيه ، فَيتخدَّرَ ، ويقع إمساكُ القُوَى النفسانية عن أفعالها ، فيكون النوم .


للنوم فائدتان جليلتان:

إحداهما : سكونُ الجوارح وراحتُها مما يَعرض لها من التعب ، فيُريح الحواسَّ مِن نَصَب اليقظة ، ويُزيل الإعياء والكَلال .


والثانية : هضم الغذاء ، ونُضج الأخلاط لأن الحرارة الغريزية فى وقت النوم تَغور إلى باطن البدن ، فتُعين على ذلك ، ولهذا يبرد ظاهره ويحتاج النائم إلى فضل دِثَار .


وأنفعُ النوم : أن ينامَ على الشِّق الأيمن ، ليستقرَّ الطعام بهذه الهيئة فى المَعِدَة استقراراً حسناً ، فإن المَعِدَة أميَلُ إلى الجانب الأيسر قليلاً ، ثم يَتحوَّل إلى الشِّق الأيسر قليلاً ليُسرعَ الهضم بذلك لاستمالة المَعِدَة على الكَبِد ، ثم يَستقرُّ نومُه على الجانب الأيمن ، ليكون الغِذاء أسرعَ انحداراً عن المَعِدَة ، فيكونُ النوم على الجانب الأيمن بُداءة نومه ونهايتَه ، وكثرةُ النوم على الجانب الأيسر مضرٌ بالقلب بسبب ميل الأعضاء إليه ، فتنصبُّ إليه المواد .


وأردأُ النومِ النومُ على الظهر ، ولا يَضرُّ الاستلقاء عليه للراحة من غير نوم ، وأردأُ منه أن ينامَ منبطحاً على وجهه ، وفى ((المسند)) و((سنن ابن ماجه)) ، عن أبى أُمامةَ قال : مرَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم على رجُلٍ نائم فى المسجد منبطح على وجهه ، فضرَبه برجله ، وقال : ((قُمْ أوِ اقْعُدْ فإنَّهَا نومةٌ جَهَنَّمِيَّةٌ)) .


قال ((أبقراطٌ)) فى كتاب ((التَّقدِمة)) : وأما نومُ المريض على بطنه من غير أن يكون عادتُه فى صحته جرتْ بذلك ، فذلك يدلُّ على اختلاط عقل ، وعلى ألمٍ فى نواحى البطن ، قال الشُرَّاح لكتابه : لأنه خالف العادة الجيدة إلى هيئة رديئة من غير سبب ظاهر ولا باطن .


والنومُ المعتدل ممكِّنٌ للقُوَى الطبيعية من أفعالها ، مريحٌ للقوة النفسانية ، مُكْثرٌ من جوهر حاملها ، حتى إنه ربَّما عاد بإرخائه مانعاً من تحلُّل الأرواح . ونومُ النهار ردئٌ يُورث الأمراضَ الرطوبية والنوازلَ ، ويُفسد اللَّون ، ويُورث الطِّحال ، ويُرخى العصبَ ، ويُكسل ، ويُضعف الشهوة ، إلاَّ فى الصَّيفِ وقتَ الهاجِرة ، وأردؤه نومُ أول النهار ، وأردأُ منه النومُ آخره بعدَ العصر ، ورأى عبد الله بن عباس ابناً له نائماً نومة الصُّبْحَةِ ، فقال له : قم ، أتنام فى الساعة التى تُقسَّمُ فيها الأرزاق ؟


وقيل :


نوم النهار ثلاثة : خُلقٌ ، وحُرق ، وحُمق . فالخُلق : نومة الهاجرة ، وهى خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم . والحُرق : نومة الضحى ، تُشغل عن أمر الدنيا والآخرة . والحُمق : نومة العصر .


قال بعض السَّلَف : مَن نام بعد العصر ، فاختُلِسَ عَقلُه ، فلا يلومنَّ إلا نفسه .


وقال الشاعر :

أَلاَ إنَّ نَوْمَاتِ الضُّحَى تُورِثُ الْفَتَى خَبَالاً وَنَوْمَاتُ الْعُصَيْـرِ جُنُونُ


ونوم الصُّبحة يمنع الرزق ، لأن ذلك وقتٌ تطلبُ فيه الخليقةُ أرزاقَها ، وهو وقتُ قسمة الأرزاق ، فنومُه حرمانٌ إلا لعارض أو ضرورة ، وهو مضر جداً بالبدن لإرخائه البدن ، وإفسادِه للفضلات التى ينبغى تحليلُها بالرياضة ، فيُحدث تكسُّراً وَعِيّاً وضَعفاً . وإن كان قبل التبرُّز والحركة والرياضة وإشغالِ المَعِدَة بشىء ، فذلك الداء العُضال المولِّد لأنواع من الأدواء .


والنومُ فى الشمس يُثير الداءَ الدَّفين ، ونومُ الإنسان بعضُه فى الشمس ، وبعضُه فى الظل ردىء ، وقد روى أبو داود فى ((سننه)) من حديث أبى هريرة ، قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا كان أحدكم فى الشَّمْسِ فَقَلَصَ عنه الظِّلُّ ، فصار بَعْضُهُ فى الشَّمْسِ وبَعْضُهُ فى الظِّل ، فَلْيَقُمْ)) .


وفى ((سنن ابن ماجه)) وغيره من حديث بُريدَةَ بن الحُصَيب ، ((أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يقعُدَ الرَّجُلُ بين الظِّلِّ والشمس))، وهذا تنبيه على منع النوم بينهما .


وفى ((الصحيحين)) عن البَرَاء بن عازِبٍ ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إذا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فتوضَّأْ وُضُوءَكَ للصَّلاة ، ثم اضطَّجِعْ على شِقِّكَ الأيمنِ ، ثم قل : اللَّهُمَّ إنِّى أسْلمتُ نَفْسِى إليكَ ، ووَجَّهْتُ وجْهىِ إليكَ ، وفَوَّضْتُ أمرى إليكَ ، وألجأْتُ ظَهْرى إليكَ ، رَغبةً ورَهبةً إليكَ ، لا ملجأَ ولا مَنْجا منك إلاَّ إليكَ ، آمَنتُ بكتابِكَ الذى أنْزَلْتَ ، ونبيِّكَ الذى أرْسلتَ . واجعلْهُنَّ آخر كلامِكَ ، فإن مِتَّ مِن ليلتِك ، مِتَّ على الفِطْرة)) .


وفى ((صحيح البخارى)) عن عائشة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، ((كان إذا صلَّى ركعتى الفجرِ يعنى سُـنَّتَها اضْطَّجَعَ على شِقِّه الأيمنِ)) .


وقد قيل : إنَّ الحكمة فى النوم على الجانب الأيمـن ، أن لا يستغرقَ النائم فى نومه ، لأن القلب فيه ميلٌ إلى جهة اليسار ، فإذا نام على جنبه الأيمن ، طلب القلبُ مُستقَرَّه من الجانب الأيسر ، وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله فى نومه ، بخلاف قراره فى النوم على اليسار ، فإنه مُستقَرُّه ، فيحصُل بذلك الدَّعةُ التامة ، فيستغرق الإنسان فى نومه ، ويَستثقِل ، فيفوتُه مصالح دينه ودنياه .


ولما كان النائمُ بمنزلة الميت ، والنومُ أخو الموت ولهذا يستحيل على الحىِّ الذى لا يموت ، وأهلُ الجنَّة لا ينامون فيها كان النائم محتاجاً إلى مَن يحرُس نفسه ، ويحفظُها مما يَعْرِضُ لها من الآفات ، ويحرُسُ بدنه أيضاً من طوارق الآفات ، وكان ربُّه وفاطرُه تعالى هو المتولى لذلك وحدَه . علَّم النبىُّ صلى الله عليه وسلم النائمَ أن يقولَ كلماتِ التفويضِ والالتجاء ، والرغبة والرهبة ، ليَستدعىَ بها كمال حفظِ الله له ، وحراسته لنفسه وبدنه ، وأرشده مع ذلك إلى أن يَستذكِرَ الإيمانَ ، وينامَ عليه ، ويجعلَ التكلُّمَ به آخرَ كلامه ، فإنه ربما توفاه الله فى منامه ، فإذا كان الإيمانُ آخِرَ كلامه دخل الجنَّة ، فتضمَّن هذا الهَدْىُ فى المنام مصالحَ القلب والبدن والروح فى النوم واليقظة ، والدنيا والآخرة ، فصلواتُ الله وسلامُه على مَن نالتْ به أُمتُه كُلَّ خير


وقوله : ((أسلَمتُ نفْسى إليكَ)) ؛ أى : جعلتُها مُسلَّمَةً لك تسليمَ العبدِ المملوك نفسَه إلى سيده ومالكه .


وتوجيهُ وجهه إليه : يتضمَّن إقبالَه بالكلِّية على ربه ، وإخلاص القصد والإرادة له ، وإقراره بالخضوع والذل والانقياد ، قال تعالى : {فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ . وذكر الوجهَ إذ هو أشرفُ ما فى الإنسان ، ومَجْمَعُ الحواس، وأيضاً ففيه معنى التوجُّهِ والقصدِ من قوله : أسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنباً لَسْتُ مُحْصِيَهُ رَبّ الْعِبَادِ إلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ


وتفويض الأمر إليه : ردُّهُ إلى الله سبحانه ، وذلك يُوجب سُكون القلب وطمأنينتَه ، والرِّضى بما يقضيه ويختارُه له مما يحبه ويرضاه ، والتفويضُ من أشرف مقامات العبودية ، ولا عِلَّة فيه ، وهو من مقامات الخاصة خلافاً لزاعمى خلاف ذلك .


وإلجاءُ الظَّهر إليه سبحانه : يَتضَمَّنُ قوةَ الاعتماد عليه ، والثقة به ، والسكونَ إليه ، والتوكلَ عليه ، فإنَّ مَن أسند ظهره إلى ركن وثيقٍ ، لم يخف السقوطَ .


ولـمَّا كان للقلب قوَّتان : قوة الطلب ، وهى الرغبة ، وقوة الهرب ، وهى الرهبة ، وكان العبد طالباً لمصالحه ، هارباً من مضارِّه ، جمع الأمرين فى هذا التفويض والتوجُّه ، فقال : ((رغبةً ورهبةً إليك)) .


ثم أثنى على ربه ، بأنه لا مَلجأ للعبد سواه ، ولا منجا له منه غيره ، فهو الذى يلجأ إليه العبدُ ليُنجِيَه من نفسه ، كما فى الحديث الآخر : ((أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ ، وبمُعَافَاتِكَ من عُقُوبَتِكَ ، وأعوذُ بِكَ مِنْكَ)) ، فهو سبحانه الذى يُعيذ عبدَه ويُنجيه من بأسه الذى هو بمشيئته وقُدرته ، فمنه البلاءُ ، ومنه الإعانةُ ، ومنه ما يُطلب النجاةُ منه ، وإليه الالتجاءُ فى النجاة ، فهو الذى يُلجأ إليه فى أن يُنجىَ مما منه ، ويُستعاذُ به مما منه ، فهو ربُّ كل شىء ، ولا يكون شىء إلا بمشيئته : {وَإن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ}[الأنعام : 17]، { قُلْ مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ إنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً }[الأحزاب : 17]


ثُمَّ ختم الدعاءَ بالإقرار بالإيمان بكتابه ورسوله الذى هو مَلاكُ النجاة ، والفوز فى الدنيا والآخرة ، فهذا هَدْيُه فى نومه .

لَوْ لَمْ يَقُلْ إنِّى رَسُولٌ لَكَا نَ شَاهِدٌ فِى هَدْيِهِ يَنْطِقُ


فصل


وأمَّا هَدْيُه فى يقظته ، فكان يَستيقظ إذا صاح الصَّارخُ وهو الدِّيك ، فيحمَدُ اللهَ تعالى ويُكبِّره ، ويُهلِّله ويدعوه ، ثم يَستاك ، ثم يقوم إلى وضُوئه ، ثم يَقِفُ للصلاة بين يَدَى ربه ، مُناجياً له بكلامه ، مُثنياً عليه ، راجياً له ، راغباً راهباً ، فأىُّ حفظٍ لصحةِ القلب والبدن ، والرُّوح والقُوَى ، ولنعيم الدنيا والآخرة فوقَ هذا .

وأمَّا تدبيرُ الحركة والسكون ، وهو الرياضة ، فنذكرُ منها فصلاً يُعلم منه مطابقةُ هَدْيِه فى ذلك لأكملِ أنواعِه وأحمدِها وأصوبِها ، فنقول : من المعلوم افتقارُ البدن فى بقائه إلى الغذاء والشراب ، ولا يَصير الغذاءُ بجملته جزءاًمن البدن ، بل لا بد أن يبقى منه عند كل هضم بقية ما ، إذا كثُرتْ على ممر الزمان اجتمع منها شىء له كميةٌ وكيفية ، فيضُرُّ بكميته بأن يسد ويُثقلَ البدن ، ويُوجبَ أمراضَ الاحتباس ، وإن استفرغ تأذَّى البدن بالأدوية ، لأن أكثرها سُمِيَّة ، ولا تخلو من إخراج الصالح المنتفَع به ، ويضر بكيفيته ، بأن يسخن بنفسه ، أو بالعَفِن ، أو يبردُ بنفسه ، أو يضعف الحرارة الغريزية عن إنضاجه .


وسدد الفضلات لا محالةَ ضارةٌ ، تُرِكَتْ أو استُفرِغَتْ ، والحركةُ أقوى الأسباب فى منع تولُّدِها ، فإنها تُسخِّن الأعضاء ، وتُسيل فضلاتِها ، فلا تجتمعُ على طول الزمان ، وتُعوِّدُ البدنَ الخفةَ والنشاط ، وتجعلُه قابلاً للغذاء ، وتُصلِّب المفاصِل ، وتُقوِّى الأوتارَ والرباطاتِ ، وتُؤمن جميعَ الأمراض المادية وأكثر الأمراض المِزاجية إذا استُعمِلَ القدرُ المعتدل منها فى وقته ، وكان باقى التدبير صواباً .


ووقتُ الرياضة بعدَ انحدار الغذاء ، وكمال الهضم ، والرياضةُ المعتدلة هى التى تحمرُّ فيها البَشْرة ، وتربُو ويَتَنَدَّى بها البدنُ ، وأما التى يلزمُها سيلانُ العرق فمفرِطةٌ ، وأىُّ عضو كثرتْ رياضتُه قَوِىَ ، وخصوصاً على نوع تلك الرياضة ، بل كلُّ قوة فهذا شأنُها ، فإنَّ مَن استكثَر من الحفظ قويتْ حافِظتُه ، ومَن استكثرَ من الفكر قويتْ قُوَّتُه المفكِّرة ، ولكل عضو رياضةٌ تخصُّه ، فللصدرِ القراءةُ ، فليبتدئ فيها من الخِفية إلى الجهر بتدريج ، ورياضةُ السمع بسمعِ الأصوات ، والكلام بالتدريج ، فينتقل من الأخف إلى الأثقل ، وكذلك رياضةُ اللِّسان فى الكلام ، وكذلك رياضةُ البصر ، وكذلك رياضةُ المشى بالتدريج شيئاً فشيئاً .


وأمَّا ركوبُ الخيل ، ورمىُ النُّشَّاب ، والصراعُ ، والمسابقةُ على الأقدام ، فرياضةٌ للبدن كلِّه ، وهى قالعة لأمراض مُزمنةٍ ، كالجُذام والاستسقاء والقولنج .


ورياضةُ النفوس بالتعلُّم والتأدُّب ، والفرح والسرور ، والصبر والثبات ، والإقدام والسماحة ، وفِعْل الخير ، ونحو ذلك مما تَرْتاض به النفوسُ ، ومن أعظم رياضتها : الصبرُ والحب ، والشجاعة والإحسان ، فلا تزالُ تَرتاض بذلك شيئاً فشيئاً حتى تَصيرَ لها هذه الصفاتُ هيآتٍ راسخةً ، ومَلَكاتٍ ثابتةً .


وأنت إذا تأمَّلت هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى ذلك ، وجدتَه أكملَ هَدْىٍ حافظٍ للصحة والقُوَى ، ونافعٍ فى المعاش والمعاد .

ولا رَيْبَ أنَّ الصلاة نفسَها فيها من حِفظِ صحة البدن ، وإذابةِ أخلاطه وفضلاته ، ما هو من أنفع شىء له سوى ما فيها مِن حفظِ صحة الإيمان ، وسعادةِ الدنيا والآخرة ، وكذلك قيامُ الليل مِن أنفع أسباب حفظ الصحة ، ومن أمنع الأُمور لكثير من الأمراض المزمنة ، ومن أنشط شىء للبدن والروح والقلب ، كما فى ((الصحيحين)) عن النبى صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ((يَعقِدُ الشَّيْطَانُ على قافِيَةِ رأسِ أحَدِكُم إذا هو نامَ ثلاثَ عُقَدٍ ، يَضربُ على كُلِّ عُقْدَةٍ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طويلٌ ، فارقُدْ ، فإنْ هو استيقَظ ، فذكَرَ اللهَ انحلَّتْ عُقْدَةٌ ، فإنْ تَوَضَّأَ ، انحلَّتْ عُقْدَةٌ ثانيةٌ ، فإنْ صَلَّى انحلَّتْ عُقْدُهُ كُلُّهَا ، فأصبحَ نشيطاً طَـيِّبَ النفْسِ ، وإلاَّ أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ)) .


وفى الصوم الشرعى من أسبابِ حفظ الصحة ورياضةِ البدن والنفس ما لا يدفعُه صحيحُ الفطرة .

وأما الجهادُ وما فيه من الحركات الكلية التى هى من أعظم أسباب القوة ، وحفظ الصحة ، وصلابةِ القلب والبدن ، ودفعِ فضلاتهما ، وزوالِ الهم والغم والحزن ، فأمر إنَّما يعرفه مَن له منه نصيبٌ ، وكذلك الحجُّ ، وفعلُ المناسك ، وكذلك المسابقةُ على الخيل ، وبالنِّصال ، والمشىُ فى الحوائج ، وإلى الإخوان ، وقضاءُ حقوقهم ، وعيادة مرضاهم ، وتشييعُ جنائزهم ، والمشىُ إلى المساجد للجُمُعات والجماعات ، وحركةُ الوضوء والاغتسال ، وغير ذلك .


وهذا أقلُّ ما فيه الرياضةُ المعينة على حفظِ الصحة ، ودفع الفضلات ، وأما ما شُرع له من التوصُّل به إلى خيرات الدنيا والآخرة ، ودفع شرورهما ، فأمرٌ وراء ذلك .


فعلمتَ أنَّ هَدْيَه فوق كل هَدْىٍ فى طبِّ الأبدان والقلوب ، وحفظِ صحتها ، ودفع أسقامهما ، ولا مزيدَ على ذلك لمن قد أحضر رشده .. وبالله التوفيق .


   طباعة 
0 صوت
النوم , فى , تدبيره , لأمر , واليقظة , فصل , صلى , الله , اليقظة , عليه , وسلم
التعليقات : 0 تعليق
« إضافة تعليق »
إضافة تعليق
اسمك
ايميلك

/500
تعليقك
2 + 1 =
أدخل الناتج
جديد المواد
بعض المحاذر والوصايا الطبية - الطب النبوي لابن القيم
أربعة أشياء تُمرض الجسم - الطب النبوي لابن القيم
تحذيرات ووصايا - الطب النبوي لابن القيم
ازياء | العناية بالبشرة | رجيم | فساتين زفاف 2017 | سوق نسائي | طريقة عمل البيتزا | غرف نوم 2017 | ازياء محجبات | العناية بالشعر | انقاص الوزن | فساتين سهرة | اجهزة منزلية | غرف نوم اطفال | صور ورد | ازياء اطفال | شتاء | زيادة الوزن | جمالك | كروشيه | رسائل حب 2017 | صور مساء الخير | رسائل مساء الخير | لانجري | تمارين | وظائف نسائية | اكسسوارات | جمعة مباركة | مكياج | تسريحات | عروس | تفسير الاحلام | مطبخ | رسائل صباح الخير | صور صباح الخير | اسماء بنات | اسماء اولاد | اتيكيت | اشغال يدوية | الحياة الزوجية | العناية بالطفل | الحمل والولادة | ديكورات | صور حب | طريقة عمل القرصان | طريقة عمل الكريب | طريقة عمل المندي